توالي إجهاض تعديل قانون المنطقة الحرة…صراع أجنحة أم بعد نظرة ؟
شكل توالي إجهاض تعديل قانون المنطقة الحرة سؤالا محيرا بعد تكراه أكثر من مرة ،والعودة دوما إلى مربع الصفر دون معرفة السر ،وما إذا كان يحمل صراع أجنحة داخل أروقة الحكم أم ما إذا كان بعد نظرة في المشروع الذي مضى عليه عقد من الزمن.
في 2020 ابتعث الرئيس محمد ولد الغزواني لجنة وزارية تضم عديد الوزراء (المالية والاقتصاد والإسكان) ،ومدراء صوملك والضرائب لإعداد تشاور مع مجمل الجهات،وسماع رأيها في مايخص المنطقة الحرة بعد مرور 8 سنوات على تأسيسها.
قضت البعثة أياما في نواذيبو،والتقت بالفاعلين والمنتخبين والمشرفين حتى على المنطقة الحرة ،وأجمعوا على حجم الاختلالات ،وضرورة إعادة النظر واقترحوا الحل بالنسبة لها أو التقليص للصلاحيات للتخفيف من حجم الأعباء المتراكمة عليها.
وغادرت البعثة بالتقرير الذي وضع بين يدي رئيس الجمهورية محمد ولد الغزواني قبل أن يعيد الثقة في أحد طاقم التقييم وهو محمد عالي سيد محمد ،وبالفعل بدأ مسار جديد من سعي الرجل إلى إعادة المشروع إلى السكة بخطوات متسارعة قبل أن تداهمه الإزاحة بعد سنة 4 أشهر فقط إلى مندوبية
وتتويجا لمسار العرقلة أيضا تم إعداد مشروع تعديل المنطقة الحرة 2021،وبرمجة عرضه للنقاش أمام البرلمان إلا أن ماحدث كان غريبا حيث سحب المشروع ساعات قبيل النقاش في ظروف اكتنفها الغموض بشكل كبير ،ودون تفسير من الحكومة للخطوة ،وعادت الأمور إلى المربع الأول فيما اعتبر انتصارا للداعمين للمشروع ،وإجهاضا للحالمين بالتغيير.
وبعد قرابة سنة أعادت الحكومة الكرة في 29 مارس ،وصادقت على مشروع قانون يلغي ويقلص المنطقة الحرة في مجلس الوزراء بعد نهاية الإنابة البرلمانية،وفي الوقت الذي كان يتوقع أن يحال إلى البرلمان تفاجأ الرأي العام بإرسال بعثة حكومية فنية للتشاور.
وقرأ كثيرون في إيفاد البعثة الحكومية المنبثقة من اللجنة الوزارية رسالة بالغة الدلالة قد يفهم منها إلغاء مشروع التعديل وسحبه نهائيا،وبدء مسار جديد يتوقع أن يترجم بتقرير يحال إلى اللجنة الوزارية التي تشكلت من جديد.
ويطرح كثيرون سيناريوهين فقط الأول هو بالفعل إنتصار الجناح الداعم لمشروع المنطقة الحرة في الحكومة ،وإبعاد أشرس المناوئين لها بعد تعيينات في الرئاسة ،وبالتالي لم يعد إلغاء المشروع ممكنا بفعل بعض الإلتزامات وحجم الإستثمار وبالتالي مسايرة المشروع والبحث عن رئيس جديد له في قادم الأيام رغم مايترتب على ذلك سياسيا من نتائج.
أما السناريو الثاني المنطقي وهو نزع بعض الصلاحيات من المنطقة الحرة كملف النظافة والإسكان والأسواق وإعادتها إلى المستحقين ،وترك ملف الاستثمار خصوصا للمنطقة الحرة مع تغيير في التسمية أو ربما إعادة تعيين أحد أعضاء البعثة رئيسا لها؟
المشروع الذي أعلن غداة تأسيسه عن أن المدينة ستشهد تحولات عمرانية،ومخططات عصرية وتوجه نحو انتعاش الاقتصاد ،وخلق فرص العمل و تم الحديث عن وضع ملامح خطة جديدة لاستجلاب الاستثمارات،وأعلن عن إعفاء مواد من الجمركة سعيا إلى تحويله إلى قبلة لكل المستثمرين في العالم.
بدأ التبشير من قبل عرابي المشروع آنذاك (أول رئيس للمنطقة الحرة وطاقمه) للسكان،ومنحت صلاحيات 11 وزارة في أن واحد لهم، وانتزعت من قطاعات وزارية وحتى الولاية والبلدية من أجل أن تسند إلى سلطة المنطقة الحرة، لكنه مع مرور الزمن بدا جليا أن الواقع لم يتغير ،ولم يلبث أول رئيس أن استقر فتمت إقالته بعد 7 أشهر فقط من تعيينه رغم أن قانون التعيين يمنحه 5 سنوات.
وبعد إقالته عين ثاني رئيس للمنطقة الحرة محمد الداف الذي بالفعل أكمل مأمورية 5 سنوات(2014 -2019)،وتحدث حينها عن مشاريع هيكلية منها ميناء الأعماق ومطار جديد وهي مشاريع إلى اليوم لم تر النور.
واصل ولد الداف على نفس النمط،ونظم عديد الملتقيات وطاف العالم شرقا وغربا مبشرا بالمشروع ،وملحنا سيمفنونية شهيرة “استثمر في نواذيبو” لكن ورغم كل ذلك لم يتحقق المأمول والطموحات التي رسمها غداة تعيينه،وأقيل أسابيع بعد نهاية مـأموريته ليعين ثالث رئيس للمنطقة الحرة أمادو التجاني أتيام لمدة سنة و7أشهر سيطرت عليها كورونا والانتخابات الرئاسية قبل أن يقال بعد نهاية مأموريته ويتوالي تعيين رؤساء بعده بفترة سنة ونصف.